أنا ممنوع من التنقل، ولكن ليس بسبب تفشي فيروس كوفيد-19

مدونة بقلم: ليث أبو زياد، مسؤول الحملات في منظمة العفو الدولية المعني بإسرائيل والأراضي الفلسطينية

إن عملية الإغلاق الشامل وحظر التنقل، ليست شيئاً جديداً بالنسبة لي. لقد قُيدت حركتي خلال حياتي كلها، واعتدت أن أعيش تحت مجموعات متغيرة من القواعد التي تحدد أين يمكنني الذهاب، وماذا يمكنني أن أفعل. لماذا؟ لأنني فلسطيني وأعيش تحت الاحتلال الإسرائيلي.

نشأت في الضفة الغربية المحتلة، وكانت حواجز التفتيش وحظر التجول جزءًا من حياتي اليومية. لكن في عام 2019 أصبح هذا السجن أصغر عندما فرضت إسرائيل حظر سفر عليّ، ومنعتني من مغادرة الضفة الغربية لأي سبب من الأسباب. ولم تقدم السلطات الإسرائيلية أي تبرير سوى “الدواعي الأمنية”، ونفت أن يكون للحظر أي علاقة بعملي كمسؤول حملات معني بإسرائيل/فلسطين في منظمة العفو الدولية.

لقد اكتشفت هذه القيود المتزايدة بأسوأ طريقة ممكنة، عندما مُنعت من الحصول على تصريح لمرافقة والدتي لحضور مواعيد العلاج الكيميائي الذي خضعَتْ له في القدس الشرقية في أيلول/سبتمبر الماضي. فأي خروج من الضفة الغربية يتطلب موافقة إسرائيلية، وغالباً ما يتم رفضها – وخاصة للشباب مثلي – “لأسباب أمنية” لا يتم الكشف عنها. فبينما كنت أعيد التقدم بطلب الحصول على تصاريح بشكل حثيث، كانت أمي تزداد مرضاً. وكنت على بعد 15 دقيقة فقط بالسيارة من المستشفى، ولكن يأسي من أن أكون مع أمي لم يكن يضاهي تطبيق إسرائيل المتشدد لنظام التصاريح. لقد توفيت والدتي في ليلة عيد الميلاد  المجيد، قبل أن أتمكن من رؤيتها مرة أخرى.

لقد قُيدت حركتي خلال حياتي كلها، واعتدت أن أعيش تحت مجموعات متغيرة من القواعد التي تحدد أين يمكنني الذهاب، وماذا يمكنني أن أفعل. لماذا؟ لأنني فلسطيني وأعيش تحت الاحتلال الإسرائيلي.

ليث أبو زياد

إن “الأسباب الأمنية” التي سببت لي الكثير من الحزن والألم لم تكشف لي. فأنا تحت حظر سفر كامل، مما يعني أنني لا أستطيع السفر خارج الضفة الغربية، حتى إلى مكتبي، الذي يقع في القدس الشرقية. إن الإغلاق العام بسبب تفشي فيروس كوفيد-19، والذي تم تطبيقه منذ 22 مارس/آذار، أشعرني وكأن القفص أصبح أضيق.

فلن أستعيد تلك الفرصة الثمينة لأكون مع أمي في أيامها الأخيرة، لكن يمكنني أن أقوم بالأمر الصائب من أجلها، وذلك من خلال مواجهة هذا الظلم. وفي 25 آذار/مارس 2020، قدمت منظمة العفو الدولية التماساً إلى المحكمة المركزية في القدس تطالب برفع حظر السفر، وستُعقد جلسة استماع في 31 مايو/أيار. وسوف يحدث ذلك في غيابي، بالطبع – وبما أنه لا يسمح لي بمعرفة تفاصيل الادعاءات ضدي، فلا يستطيع المحامي الخاص بي ولا أنا الطعن فيها بشكل ذي مغزى.

ومع ذلك، ففي الماضي، ألغي حظر السفر المفروض على بعض الفلسطينيين بعد تدقيق قانوني. فما بين عامي 2015 و2019، تقدمت منظمة الحقوق الإسرائيلية هموكيد (مركز الدفاع عن الفرد) بـ 797 طعنا في حظر السفر، وتم رفع 65% منها. ومن المنطقي أن نفترض أن هذه كانت غير مبررة تمامًا في المقام الأول.

إن الإغلاق العام بسبب تفشي فيروس كوفيد-19، والذي تم تطبيقه منذ 22 مارس/آذار، أشعرني وكأن القفص أصبح أضيق.

ليث أبو زياد

فلدى إسرائيل سجل حافل في استخدام حظر السفر التعسفي ضد المدافعين عن حقوق الإنسان، ومن بينهم عمر البرغوثي، أحد مؤسسي حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS)، وشعوان جبارين، مدير مؤسسة “الحق” الفلسطينية. ففي قضية شعوان جبارين، كما في قضيتي، لم يتم تقديم أي مبرر سوى “الدواعي الأمنية”. ماذا يعني ذلك؟ إذا كنت أشكل هذا الخطر الأمني الشديد، فتتوقع من السلطات الإسرائيلية أن تقوم باستجوابي. ولكن لم يتم استجوابي قط بشأن أي قضايا أمنية، ولا حتى عند معبر الحدود، إنما أعادوني فقط. لم أُمنح أبداً الفرصة للطعن في القرار أو الدفاع عن نفسي. كيف يكون هذا عدلاً؟

من الصعب التشديد على مدى إحكام سيطرة إسرائيل على تنقل الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة. يُحتجز سكان غزة تحت حصار عسكري قاسي منذ أكثر من 12 عاماً، مما يجعله أكبر سجن مفتوح في العالم. لا يمكن لنا، في الضفة الغربية المحتلة، السفر دولياً عبر الموانئ البحرية الإسرائيلية أو مطار بن غوريون الدولي – الخيار الوحيد هو السفر إلى الأردن باستخدام معبر اللنبي/الملك حسين الحدودي. وكثير من الناس لا يدركون أنهم ممنوعون من السفر حتى وصولهم إلى المعبر.  ففي أكتوبر/تشرين الأول، على سبيل المثال، أردت حضور جنازة أحد الأقارب في الأردن؛ وعندما وصلت إلى المعبر مع والدي وحقيبتي، مُنعت من الدخول.

في حين يتم تطبيق الحجر الصحي للصحة العامة من أجل الصالح العام؛ فإن إسرائيل تحرم الفلسطينيين من حرية التنقل كشكل من أشكال العقاب الجماعي.

ليث أبو زياد

وهناك الكثير من القصص مثل هذه. لقد أعطت عملية الإغلاق الشامل، بسبب تفشي فيروس كوفيد-19، الناس في جميع أنحاء العالم لمحة عن التجربة الفلسطينية – حزن الانفصال عن أحبائهم، وملل الحجر المنزلي والخوف والعزلة. ولكن في حين يتم تطبيق الحجر الصحي للصحة العامة من أجل الصالح العام؛ فإن إسرائيل تحرم الفلسطينيين من حرية التنقل كشكل من أشكال العقاب الجماعي.

ومثل الكثير من الناس في جميع أنحاء العالم، آمل أن أتمكن قريبا من العودة إلى مكتبي، ورؤية أصدقائي وعائلتي في مدن أخرى، وتجربة متعة السفر في مكان جديد. فبعد 72 سنة من النزوح والظلم، يريد الفلسطينيون، بل يستحقون نفس الحقوق والحريات التي يستحقها أي شخص آخر.

نشرت المدونة على موقع الجزيرة الإخبارية باللغة الإنجليزية